الحياة دون الإنسان
إذا نظرنا لسير الحياة دون تواجد البشر فيها، سنرى أن الحياة تسير وفق قوانينها الفيزيائية الطبيعية. الزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات والجفاف وغيرها من الظواهر الطبيعية ليست موجودة عبثًا، بل لتعيد التوازن إلى الأرض. حتى الأمراض، رغم الآلام التي تصاحبها، تؤدي دورًا بيولوجيًا يحافظ على استقرار الكائنات والموارد. من دونها، لن يموت البشر إلا بحوادث أو عوامل خارجية أخرى، مما يؤدي إلى أعداد سكانية كبيرة جدًا وانهيار الموارد سريعًا. جميع هذه الظواهر ليست بحد ذاتها خيرًا ولا شرًا؛ هي حيادية تمامًا. ولكن إذا أضفنا عنصر البشر لهذه المعادلة، ستصبح هذه الظواهر التي توازن الطبيعة من منظورنا شرًا عظيمًا، لأنها تسبب المشاكل والألم لكثير من الناس.
أنواع الشر
إن معضلة الشر قديمة قدم الفكر الانساني. لا يُنظر إليها من الناحية الموضوعية، وإنما تُرى من منظور التجربة الشخصية. له أنواع:
- الشر الأخلاقي: وهو شر ناتج عن تصرفات الإنسان كالقتل والخيانة والكذب.
- الشر الطبيعي: وهو شر ناتج عن الطبيعة دون تدخل الإنسان كالزلازل والبراكين.
- الشر الميتافيزيقي: وهو شر ناتج عن نقص الكمال في الإنسان كضعف الإنسان وأخطائه وموته، مقارنة بالكمال المطلق لله.
الشر وحرية الاختيار
ربط الكثيرون فكرة الشر بعدم رحمة الرب، لكنه ربط سطحي. رغم قدرته على إزالة جميع الشرور، إلا أنه أعطى حرية الاختيار للإنسان. من دونها لن يكون هناك معنى للخير، فلو أجبر الناس على أن يكونوا خيرين لفقد الخير قيمته الحقيقية. إذن، الشر ليس نقيض الحرية، بل نتيجة للحرية التي مُنحت للإنسان.
الحكمة من الشر الطبيعي
أما الشر الطبيعي، فمن منظور أوسع، فإنه جزء من نظام متكامل. وما نظنه دمارًا هو بذرة توازن جديد، وما نعده شقاءً، يوقظ وعينا ويعيد ترتيب أولوياتنا. ذكر بعض الفلاسفة أن الشر هو غياب الخير، كما أن الظلام غياب النور، ومع هذا يظل مفهوم الشر مفهومًا إنسانيًا عميقًا يذكرنا بحدود فهمنا للكون.
الشر الميتافيزيقي
لو كان الإنسان كاملًا، لما كان هناك فرق بين الخالق والمخلوق، ولا معنى للعبادة أو التطوّر. النقص هو الذي يجعل الإنسان يسعى وينمو ويتعلّم. وهو الإحساس بضعفنا، وتعاطفنا مع غيرنا، ورجوعنا إلى الله. فلا نشعر بالكمال إلا بالنقص، ولا بالراحة إلا بالتعب.
إن كل ما نظنه شرًّا هو طريق لمعرفة الخير.

يسعدني قراءة ارائكم وتساؤلاتكم حول المقال, سنجيبكم فور رؤية تعليقكم